ولاد حتاتة
٥
نظرات ترقب ولحظات من الفضول، حالة تشوق وانتظارسماع اللي حصل، وده بعد ما سكت “حودة” عن الكلام، فسألته بلهفة:
-حصل ايه بعد كده يا حج “حودة”؟
سرح في الفراغ لثواني، واضح انه كان بيسترجع وبيفتكر اللي هيحكيه، خد نفسه وقال:
-اللي حصل إن كان فيه سكينة غدر مستخبية، رشقت بأيد نجسة لا تعرف أخلاق، ولا اتربت على قيم صالحة، بعد ما طلب الواد عباس الأمان من “سالم”، رد عليه:
-ليك الأمان، ده انت ابني ياض اللي ماخلفتوش، ومتربي على ايدي.
قرب منه”عباس” وميل على ايده وباسها، وبصوت مخنوق بكلام بيترعش قاله:
-انت سيد الناس، وسواس شيطان يا معلمي، لحظة طمع غصب عني، عقلي غاب ومخي تاه لما شميت ريحتها، وكترت في ايدي.
-هي ايه؟.. مش فاهم حاجة.
-الفلوس، الفلوس يا معلم سالم.. قبل ميعاد شحنة الهيروين اللي اتقبض عليك فيها، جالي المعلم “سامبو” وقالي:
=عاوزك في حوار ياض يا “عباس”، انت متربي في بيت حتاتة، قبل ما تكون صبي من صبيانا، مش هأمن لحد غيرك في اللي عاوز اعمله.
وردي عليه كان.. “رقبتي ليك يا معلم”
كان ماسك في ايده كيس أسود، فتحه وحطه قصادي، بص لي وقال:
=خد ياض الفلوس دي بتاعتك، شبرق نفسك وعيشلك يومين، وايجار الأوضتين اللي انت قاعد فيهم، مش عاوزهم، ومش كده وبس.. ده انا كمان هكتبهملك بعقد رسمي مني ليك، عشان تتجوز فيهم وتفتح لك بيت.
-عيوني زغللت بالفلوس الكتير، وحلمت.. ما هو انا الفقر نحل جتتي، والفقير مننا غلبان.. نفسه بتتلهف على يوم يشم فيها ريحة النعمة وراحة البال، واللي اهم من الأحلام، الخوف.. الخوف يا معلم اللي يقتل اجدعها راجل، وهوبرضه بداية لطريق المصايب، فوقت من احلامي وسألته:
-ربنا يخليك لينا يا معلم، بس ماقولتليش ايه المطلوب مني وفريرة يتعمل.
=حاجة بسيطة وسهلة، هقولك دلوقتي على ميعاد تسليم الشحنة اللي جاية، وكل اللي عليك ترفع سماعة التليفون وتتصل بالشرطة وتبلغهم عن ميعادها بالظبط، وطبعا هتقولهم على مكان التسليم.
لحظة ما قال المعلم سامبو طلبه، حسيت يا معلمي اني ماسك بأيدي كبل الكهربا العمومي، جسمي اتنفض وريقي نشف ولا اللي ماشي في صحرا بقالي ايام، لدرجة رديت عليه بالعافية:
-بس دي مصيبة وكارثة كبيرة يا معلم “سامبو”، انا كده بسلم بأيدي الرجالة لعشماوي، ومش الرجالة وبس.. انا بسلم الراجل اللي رباني لحبل المشنقة.
مسكني من ياقة قميصي وعصر رقبتي في ايده، كُنت بتخنق وبموت ونفسي بدأ يقل، قرب وشه من وشي، عيونه أحمرت وكأنهم جمرتين نار، قالي وهو مبرق عينه:
=المصيبة دي هتحل عليك وعلى اهلك كلهم يابن الكلب، وعشماوي اللي بتتكلم عنه، هيلبس جتتي عشان ياخد روحك، لو لسانك طرطش باللي قولته، وهدفنك مطرحك واهو كلب وغار، وده لو مانفذتش اللي قولته، كلامي واضح ولا اعيده تاني؟
ساب قميصي، فخدت نفسي، رديت عليه بخوف وانا بهز راسي:
-فاهم، فاهم يا معلم “سامبو”.
قالي على ميعاد الشحنة، ورما في وشي الفلوس ومشي، وطلب مني بعد ما نفذ اروح ابلغه، وده اللي حصل..
غصب عني يا معلم “سالم”، سامحني وحقك على راسي، أخوك هو السبب، وبعد ما نفذت طلبه، بلغ عني ورماني في السجن.
خلص الواد عباس كلامه، بص له سالم وماردش عليه بكلمه.
قاطعت “حودة”:
– معقولة سكت بعد كل اللي سمعه، عن خيانة اخوه ليه؟!
-هو لا اتكلم ولا سكت، الراجل بعد اللي سمعه، نزلت عليه نقطة وهو قاعد مكانه، فضل يطوح بجسمه شمال ويمين، ونن عينه تاه واختفى، واترمى بضهره على السرير، وكل ده حكاه “عباس” لزمايل كاره بعد كده.. المهم، اصوات المساجين عليت، فضلوا يصرخوا على العساكر عشان يلحقوا سالم، وفعلا.. جم بسرعة خدوه ونقلوه على مستشفى السجن، ساعات والخبر وصل لابنه حامد، قدر ياخد أذن بزيارة ابوه بعد كام يوم، برغم ان سالم حالته كانت صعبة ومانعين عنه الزيارة، بس طلب منهم يدخلوا ابنه عشان عاوز يشوفه، قعد جنبه “حامد” اتكلم سالم بصعوبة وحكاله كل حاجة حصلت، وقاله عن مكان فلوسه وكل حاجة يمتلكها وله حق فيها، وطلب منه مايفرطش في ورثه وورث اخوه “حسن”، وبعد المقابلة بيومين مات “سالم” جوه مستشفى السجن…
ومن بعد موت ودفن سالم، الحرب قامت في بيت “حتاتة”.. في الصبحية كالعادة، كان قاعد “سامبو” وكام راجل من رجالته ع القهوة، اتفاجأ بواحد داخل عليه وفي ايده دفتر، قرب منه وقال:
-فين المعلم “سامبو”؟
رد عليه سامبو:
=انا المعلم سامبو بذات نفسيه، بشحمه ولحمه.
فتح الراجل الدفتر اللي كان في ايده، وحطه على الترابيزة قصاد سامبو:
-طيب تمام، اتفضل امضي هنا.
=امضي على ايه عدم اللامؤاخذة؟
رد عليه الراجل، اللي اتفهم من كلامه انه مُحضر جايب اخطار لسامبو:
-هتمضي على اخطار، قضية مرفوعة ضدك من “حامد سالم حتاتة”، بيطالب فيه بورث ابوه “سالم حتاتة”، وتقسيمه حسب الشرع.
جز سامبو على اسنانه، ولعن في سره سلسفيل “حامد”، رفض يمضي بحجة انه هيتفاهم الاول مع ابن اخوه، وهيوصل معاه لحل بدل البهدلة في المحاكم.. خد المُحضر دفتره ومشي، بعد ما سجل ممانعة سامبو ورفضه للاخطار، بص سامبو لابنه الكبير”سالم” وقاله:
-تقب وتغطس في دقايق، وتجبلي ابن الكلب ده قصادي، ولو مانع.. تجيبه زاحف على بطنه قصاد الخلق، وخليها فضايح بفضايح.
طبعا اللي قاله سامبو، السبب فيه مش خوفه من حامد.. حامد عند “سامبو” أخره رصاصة طايشة، او يكري عليه عيل شمام كلب للقرش، وفي حتة ضلمة يجيب أجل حامد، خوفه كان اكبر من كده بكتير.
قاطعت “حودة” في كلامه، بعد ما بدأت خيوط الحكاية تتكر من ايدي، فسألته:
-وهيخاف من ايه؟.. الحكاية كلها ورث حامد وبيطالب بيه.
رد عليا “حودة”:
-هقولك ليه.. بعد ما اعرفك اللي تم في مقابلة “حامد” بعمه، غاب ابن سامبو ربع ساعة وجه معاه “حامد” ابن عمه، بص له سامبو وكان هاين عليه يدفنه مطرح ما هو واقف، دقيقة نظرات متبادلة بين الواد وعمه، كلها كره وحقد ونفوس مشحونة بالانتقام، لحد ما شاور سامبو لرجالته يمشوا ويفضوا القهوة، وفي ثواني القهوة مافضلش فيها غير “سامبو وابنه سالم، وحامد”، وواحد من رجالة سامبو، اتكلم حامد بتريقة:
-ايه الحكاية يا معلم؟.. انت جايبني تستفرد بيا عشان تخلص عليا ولا ايه!
حط سامبو رجل على رجل، وخد نفس من الشيشة اللي كانت في ايده، نفخ دخانها في الهوا وقال:
-ولا اه يا حيلتها، وانا لو عاوز اخلص عليك، هجيبك هنا برضه يا ابن اخويا!!
رد عليه حامد بغيظ، وهو بيرفع كف ايده في وش سامبو:
-بس ما تقلش ابن اخويا.
ضحك سامبو بصوت عالي، وقال بأستنكار:
-ايه ده؟.. هو انت مش ابن اخويا، ولا انت اتبريت من عمك، يابن “سالم حتاتة”.
جز حامد على اسنانه، وقال بصوت عالي:
-ماتجبش سيرة ابويا على لسانك، قول اللي انت عاوزة يا معلم “سامبو”، او نسيب الكلام لحكم المحكمة.
شاور سامبو لحامد عشان يقعد، وقاله:
-ما هو يا تربية ابوك انا جايبك عشان كده، بقى عاوز تقف قصادي في المحكمة؟!
-التربية واحدة يا بن المعلم “حتاتة”، يا عمي واخو ابويا يا حافظ للأخوة وصلة الرحم.
فهم سامبو من ابن اخوه، انه بيلقح بالكلام لحاجة معينة، وزي ما بيتقال “اللي على راسه بطحة بيحسس عليها”، فرد عليه وهو بيحاول ينفي عنه تهمة واشاعة، اشاعة بقت زي القنبلة وضربت في الشارع كله، بعد ما وصل الكلام، ان السبب في حبسة سالم وموته اخوه “سامبو”:
=كلامك مش مريح ولا عاجبني، ريحته فايحة عفونة كتمت على مراوحي، اوعى ياض تكون مصدق اللي بيقولوه الناس، دي ناس فاضية ومخها مليان دخان حشيش وافيون.
كان بيقول كلامه، وما يعرفش ان اخوه سالم قبل موته، حكا لابنه على كل حاجة، يعني لو قعد يحلف له عمر بحاله انه برئ، مش هيصدقه.. فقصر معاه الحوار وقاله:
-سيبك من اللي بيتقال يا عمي، خلينا في المهم.. طلبتني ليه؟
=حلو الكلام، عاوزك كده زي ما اتشطرت وروحت رفعت عليا قضية، تروح برضه تتنازل عنها، وهديك المبلغ اللي تطلبه بعضمة لسانك، ها ايه قولك؟
رجع حامد بضهره لورا على الكرسي، قال بكل برود استفز بيه سامبو:
-لا، انا مش موافق على عرضك يا عمي، والخلاصة.. القضية هتفضل ماشية، وغصب عن الكل، هييجي اللي يتمن كل حاجة واخد ورثي بالكامل.
بعد ما خلص حامد كلامه، ماستناش رد من عمه، قام من مكانه وخرج من القهوة، كان قايم وراه ابن سامبوعشان يضربه، فمسكه ابوه من ايده وقعده مكانه، اتكلم ابن سامبو وقال لابوه بغيظ:
-احنا هنسيبه يمشي يابا بعد اللي قاله؟.. انا مش خايف منه، سيبهولي وانا اريحك منه خالص.
رد عليه سامبو وقاله:
=هو انت مفكر اني خايف من حتة عيل زي ده؟!.. الحوار مش كده خالص.
-اومال على ايه الكلام؟.. ده قلبه ميت مش فارق معاه حاجة، وبيتكلم بعين قوية مش عارف جابها منين!
رد عليه سامبو وهو باصص في عينه:
=جابها من بوق الله يكحمه عمك قبل ما يموت، اكيد حكاله وعرفه ورثه وماله، والخوف مش منه يا روح امك، الخوف من كشف ورقنا قصاد الشرطة والحكومة، ما هو يابو مخ زنخ لو جت الشرطة تقسم الورث، هيعرفوا ان قهوة “حتاتة” مش قهوة وبس، دي كمان غرزة لشم البودرة وشرب الحشيش، غير اننا بنبيعهالهم جوه القهوة، ده غير المصيبة الاكبر.. شقة عمك سالم اللي بعد ما غار منها حامد وامه، بقت مخزن اساسي للبضاعة بتاعتنا، فهمت يا حمار خايف من ايه وعلى ايه؟
هز ابنه راسه وسكت ما نطقش، سلم لابوه زمام الامور يتصرف فيها، والكارثة بقى.. إن سامبو رمى كل اللي في راسه في حجر مراته “بطة”.. قعد معاها وحكالها كل اللي حصل، بخت كالعادة السم من بوقها وقالت له:
-مافيش حل غير إنك تقتله.
اتنفض سامبو من مكانه ورد عليها:
=ششششش اقتل مين يا ولية؟.. لو حامد اتقتل حتى لو مش بأيدي، انا اللي هتلط فيها، الناس كلها عارفة دلوقتي إن بينا مصانع الحداد، يعني هلبس تهمة قتله، وهيطلع لي 100شاهد، واولهم صبيان سالم، اقولك جتلي فاكرة.. ايه رأيك لو وزيت عليه واحد من عيالنا، الواد سالم مثلا.. يسحبه لسكة ادمان المخدرات، مرة في مرة وهيبقى عبد ليها.
وافقت مراته على كلامه، وفعلا.. اتفق سامبو مع ابنه على اللي هيعمله مع حامد، حاول في قعدة يجر معاه كلام ناعم لما قاله:
-احنا في الاول والاخر ولاد عم، انت مش ابن عمي ياض، يعني شقيقي.. وعلاقتنا مالهاش دعوة بحوارات الورث.
عشان يقوي “سالم” موقفه قصاد “حامد”، جاب معاه في القعدة اقرب واحد لحامد، وتقريبا صاحبه الوحيد، ويمكن ده السبب اللي خلا حامد يتشجع ويقعد مع سالم، خاصة انه ماكنش بيحبه، فطبيعي كلام سالم مادخلش في ذمته بقرش أبيض، بس كنوع من المجاملة هز راسه وابتسم ابتسامة مزيفة، قعدوا يتكلموا في اكتر من حاجة، لحد ما لقي سالم ان الوقت مناسب لتنفيذ اللي جاي عشانه، طلع من جيبه علبه صغيره فيها مسحوق ابيض، ودي طبعا كانت بودرة، بص حامد وصاحبه للي كان في ايد سالم، فاتكلم وقال:
-معايا ستاف بس ع الكيف، ده اوله.. بودرة تكيف فيل، بضاعة انما ايه على ابوها بصحيح، خد يا حامد استفتح.
بص له حامد وعقد حواجبه:
=ايه اللي انت جايبه، وانت تعرف عني اني صاحب مزاج؟!
لسه هيتكلم صاحب حامد، قاطعه سالم ورد على حامد:
-يا عم ماتاخدهاش على صدرك، بوجب معاك.. تحية محبة وعهد جديد بينا، اقولك.. بلاش ده، باقي الاستاف للغالي، واهو طباخ السم بيدوقه.
حط قصادهم حبوب مخدرات، وسيجارتين حشيش، اللي هو بيقفل عليه كل منافذ الرفض، بس كان رفض حامد جملة في الصميم، خلت سالم سكن وماحطش منطق، لما قاله:
=ريح راسك المتكلفة يابن عمي، شيل كل الحاجات دي وتحيتك وصلت، انا صحيح بطبخه عشان ده لقمة عيش، بس طعمه مر على لساني، وبيعملي عسر هضم في معدتي.
احرج حامد ابن عمه بجملته، خلاه ياخد حاجته ويمشي من القعدة، بيجر وراه خيبته وفشل مخططهم، رجع سالم لابوه وحكاله اللي حصل، ومن الحظ كانت العقربة امه موجوده، بصت لهم وقالت:
– كل اللي بتعملوه ده شغل مافيش من وراه فايدة، صحيح الواد يادوب اول العشرينات، بس ابن ابوه سالم على حق، شرب السم اللي في دمه.. اسمعني و خد مني الناهية يابو العيال، تروح تصالح ابن اخوك، وتطمعه ع الاخر، تملى عينه لحد ما يتعمي بفلوسه وورثه اللي هيرجعوله، والشقق اللي فوق ياخدها ليه ولاخوه، اربط دماغه لحد ما ييجي زاحف وراك لحد البيت، وهو بيبوس ايدك من رضاك عنه، وبشرط.. كل الكلام ده يحصل بينكم قصاد الخلايق، عاوزة في خلال ساعات، الحارة مايبقاش فيها سيرة غيرصلح “سامبو” لحامد ابن اخوه، فاهم كلامي يا سامبو؟!
رد عليها وهو بيهز راسه:
=صراحة انا مش فاهم، بس خليني وراكي للاخر لما اشوف دماغك فيها ايه.
وفعلا.. تاني يوم جاب سامبو ابن اخوه في القهوة، وقصاد عدد كبير من اهل الشارع، صالحه ورضاه.. وعده بأنه هيديه ورث ابوه، وطلب منه يجيب امه واخوه الصغير ويرجعوا البيت، الحق يتقال.. الواد حامد صحيح كان دم حتاتة بيجري في عروقة، بس كان في حاله.. ماخدش منهم قسوة القلب والجبروت، وده خلاه يصدق كلام عمه، وفي خلال يومين رجع حامد بأمه واخوه “حسن” لبيت حتاتة.. من بعد رجوعه الدنيا هديت خالص، سكون وصمت في بيت حتاتة، لدرجة ان “حامد” نفسه اختفى.
قاطعت “حودة” في كلام، برقت عينه وسألته بفزع:
-اختفى ازاي؟.. اوعى تقولي قتلوه.
فرك حامد وشه وهو بيتنهد:
-ماتستعجلش على رزقك، الواد حامد كان موجود، بس بعد ما عزل بيومين، رقد في سريره بحمى وسخنة شديدة، الواد ياعيني كان طول بعرض، وفي خلال ايام اتحول لهيكل عظمي، مافيش غير صدره اللي طالع ونازل، وكام كلمة بيخرجوا منه بالعافية، كان بينطق بكلام مش مفهوم أقرب لهذيان الحمى، فيه ناس كتير راحوا زاروه في شقته، وجابوا اكتر من دكتور يشوفوا سبب لعلته ويعالجوه، بس مافيش فايدة.. فضل على الحال ده 10 أيام، وبعدهم صحيوا سكان الشارع على صوت صراخ وعويل، كان خارج من بين ولاد حتاتة، لما جسوا الخبر.. عرفوا إن حامد مات والسر الالهي طلع..
وبموته تالت صفحة واتقطعت، من بعد موت سالم وحتاتة، الواد اتدفن وصوان العزا اتنصب، وخلايق من كل حتة جت وملت الصوان، يواسوا سامبو في موت ابن اخوه، وبعد ما خلص العزا.. رجعت كل حاجة زي الاول، وكأن مافيش ميت مات واتدفن من ايام، ماقعدش بحسرة القلب والدموع اللي مانشفتش من على الخد غير ام “حامد”، وياريت سابوها تربي ابنها الصغير، وتعيش باقي حياتها على ذكرى جوزها وابنها البكري، اللي حصل بعد كده يشيب شعر راس العيل الصغير، ما هو “بطة” مرات سامبو مش هترضى ان سلفتها تعيش في امان، بقت كل يوم والتاني، تخرج بره شقتها وبعلو حسها، تشتم وتبهدل في مرات سالم، وكان غرضها تطفشها من الشقة والبيت، فضلت على الحال ده شهر بعد موت حامد، في الطالعة والنازلة تلقح بطة بالكلام على ام حامد، والست كانت غلبانة ماكنتش بترد عليها، عشان بس تتقي شرها وتربي ابنها، لحد ما في يوم طلعت “بطة” شقة ام حامد، كسرت عليها باب الشقة من التخبيط، خرجت لها الست وكان في ايدها ابنها الصغير” حسن”، قالت لها وهي بتزعق:
-يا مره يا باردة ياللي الدم هرب من وشك، واحدة غيرك كانت لمت كرامتها اللي اتبعترت وغارت من هنا.
الست سابت ابنها واقف على باب الشقة، واتكلمت معاها بالحسنى عشان ترجعها عن عمايلها، بس اللي زي بطة، بينطبق عليها مقولة”مايقدر ع القدرة غير ربنا”.. لسه ام حامد بتكمل كلامها، مسكتها بطة وضربتها، وبعزم مافيها زقتها من على درابزين السلم، وقعت ام حامد على عتبة باب الاوضة اللي تحت السلم، راسها اتطبقت ودمها غرق مدخل باب الاوضة، واللي شاف اللي حصل بعينه، كان ابنها “حسن” اللي اتسجلت اللحظة دي جوه راسه، وكان يادوب كمل 8سنين.. نزل يجري للدور الارضي، قعد جنب جثة امه وفضل يصرخ، باب القهوة اتفتح وخرجت منه الناس على صوته، والشارع كله اتلم في مدخل البيت، ومافيش على الألسنة غير سؤال واحد “حصل ايه؟”.. وكان الجواب الوحيد عند بطة، لما قالت وهي بتأدي دورها ببراعة، وبدموع مزيفة بتجاهد عشان تنزلها من عيونها:
-انا خرجت على صوت خبط جامد، على ما طلعت فوق اعرف فيه ايه، شوفت ام حامد بتتزحلق وبتقع من فتحة السلم.
بص لها الواد الصغير وهو بيبكي، بس ماعرفش ينطق باللي شافه، مهما كان ده عيل صغير، اتملك منه الخوف لما شاف قصاده مرات عمه، مش اكتر من شيطان لو نطق هيقتله زي ما قتل أمه.. وده فعلا اللي حصل، بعد ما دفنوا ام حامد، اتلم سامبو ومراته وولاده على الواد، بعد طبعا ما عرفوا من بطة ان هي اللي ورا موت ام حامد، بص له سامبو وبرق عينه:
-انسى كل اللي شوفته، ولو فكرت تتكلم وتحكي لأي حد اللي حصل، هنرميك من فوق زي امك.
وبعد كلام “سامبو”، كل واحد من الموجودين زرعوا جواه الخوف بطريقة موت مختلفة عن التاني، النتيجة في النهاية الخوف حاوط الواد من كل الجهات، من شدة خوفه لو طال يقطع لسان كان عمل كده، والحال ماوقفش لحد هنا.. سامبو وعياله شغلوا “حسن” مرمطون، خدام عندهم يودي ويجيب طلبات، ومافيش مانع ينضف القهوة مع الواد اللي بيشتغل فيها، وشقة ام حامد فضيت من اهلها، مافضلش غير ذكرى اللي حصل قصاد بابها.
-طيب والواد “حسن” راح فين يا حج “حودة”؟
ابتسم ابتسامة خفيفة، ومر على ملامحه حالة من السخط والحزن:
-تقصد “حسن القرد”!.. ما هو ده الاسم اللي طلع عليه بعد كده، “حسن” يا عم صلاح، خدوا عمه من ايده ورماه في الاوضة اللي تحت السلم، مكان معيشته وسكنه.
عقدت حواجبي بأستغراب:
-يسكن فيها لوحده!
رجع ابتسم وهو بيرجع ضهره لورا:
-لا.. معاه العفاريت.
-عفاريت ازاي يعني؟!
“يتبع”
#ولاد_حتاتة
#لمياءالكاتب